الخميس، 21 نوفمبر 2013

الموضوع: أيهما أخطر العنف المادي؟ أم العنف الرمزي؟


الموضوع: أيهما أخطر العنف المادي؟ أم العنف الرمزي؟

في رحلة بحث الإنسان عن حقيقته عبر الزمن أثبت الفلاسفة أن الإنسان في حاجة إلى الآخر لتحديد انيته و تحقيق ذاته ووجوده ضمن العالم. و استجابة لهذه الحاجة للآخر اعتمد الإنسان مجموعة من الأنظمة التي تمكنه من التواصل مع الآخر، تعرف هذه الأنظمة بالأنظمة الرمزية و هي وسائل تواصل اتخذت أشكالا متعددة كالدين و اللغة و الصورة و تهدف إلى تحقيق التواصل بين الأفراد. و لكن هذه الوسائل تطورت مع تطور الإنسان فأصبحت تشكل عنفا رمزيا قد يضاهي العنف المادي أو قد يكون أخطر منه.
فكيف أصبحت وسائل التواصل وسائل عنف؟
أيهما يشكل خطرا أكبر؟ أهو العنف المادي أم العنف الرمزي؟
كيف يمكن أن نتجاوز هذا الخطر؟
إن النظر في هذه المسألة يقر بفشل الأنظمة الرمزية في تحقيق دورها المنشود و أنها أصبحت عائقا أمام التواصل. بالتالينحن مطالبون بالحد من العنف بجميع أشكاله من خلال نقد الأوضاع و إيجاد الحلول.
لا يخفى على المتأمل في واقعنا المعيش أن العنف أصبح منتشرا بين أفراد جميع الفئات الاجتماعية و يشمل جميع الميادين الحياتية. فالعنف المادي أصبح عادة اجتماعية متجذرة فينا و أصبح هو الوسيلة المثلى لتحقيق الرغبات والمطالب.
والعنف المادي هو إلحاق أضرار مادية بالآخرين من خلال الاعتداء بالضرب أو استخدام السلاح كما يمكن أن يكون اعتداء على أملاك الآخرين بطريقة مباشرة وهو وسيلة معتمدة لاغتصاب الحقوق و ارهاب الغير. و انطلاقا من هذا المبدأ يلحق العنف المادي أضرارا خطيرة بالأفراد على المستوى الجسدي كالإصابات والكسور و على المستوى النفسي كالخوف و الكره و الخضوع. بالتالي فان العنف المادي يكرس العداوة و القطيعة و الحقد بين الأفراد فيصبح بذلك عائقا رئيسيا أمام التواصل فهو يفرق بين الناس و يدعو إلى المواجهة المباشرة العنيفة عوضا عن الحوار الذي يمثل الركيزة الأساسية للأنظمة الرمزية.
يمكن أن نسلم بأن العنف المادي من أخطر العوائق أمام التواصل الإنساني فهو المصدر الأساسي للخصومات والمعارك.
و لكن هل يعتبر هذا العنف هو الأخطر من بين أشكال العنف المعتمدة اليوم؟
اتخذ العنف اليوم أشكالا أكثر تطورا و أكثر "جمالا" فلم يقتصر على العنف المادي الجسدي المباشر بل أصبح يعترضنا أينما ذهبنا و أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إنه موجود معنا في تعاملاتنا اليومية فيسلط علينا ولا نعي به. أصبح العنف ميزة الأنظمة الرمزية و هو ما يسمى بالعنف الرمزي أي ذلك العنف الذي تمارسه علينا وسائل التواصل.
ويتمظهر هذا العنف في جل الوسائط الرمزية و يتخذ أشكالا متنوعة و ملتوية تدعمها و تساعد على نشرها وسائل الاتصال.فنجد مثلا في مجال الصورة مشاهد عنيفة تصور الحروب و المعارك و الدماء و الضحايا و الأشلاء فتمارس بذلك ضغطا علينا يكرس فينا الخوف و الرهبة و التبعية. كما يدعم المشهد الإعلامي هذه النزعة من خلال اعتماد الإشهار للترويج للمنتجات و رغم ما تبدو عليه هذه الصور من جمالية و إبداع فإنها أقوى أشكال العنف الرمزي الذي يمس الجانب اللاواعي من الإنسان فتكرار نفس المشاهد و نفس الكلمات بصورة متتالية أو ما يعبر عنه بالفرنسية "le matraquage "
يجعلنا خاضعين لتلك الصور و منقادين بها و هو ما يحقق مصالح الرأسمالية للحث على الاستهلاك.
و لم يسلم الدين أيضا رغم قداسته من اعتماده سلاحا لمحاربة الغير و الاعتداء عليهم. و يتشكل العنف الديني في الإرهاب والتعصب و التطرف الذي أصبح ردة فعل طبيعية لما يلحق المقدسات من مس بحرمتها و قدسيتها فانتهاك حرمة المساجد و حرق الكنائس يعتبر اعتداء على إنسانية الأفراد و كرامتهم و هذا العنف يولد ردة فعل مقابلة قد تكون أعنف من الأولى.
و يمكن أن تتبين أن العنف قد اتخذ أشكالا خفية تلمس فينا جوانبنا اللاواعية فترسخ فينا و تصبح مقبولة في مجتمعاتنا فلا نصدها و لا نحاربها. فالصور الخليعة و الكلام البذيء في المشهد الإعلامي لم تعد تعتبر مسا بالحياء والأخلاقيات نظرا لتعودنا عليها. إذن فالعنف الرمزي الذي تمارسه علينا أنظمة التواصل و الذي تدعونا إليه من خلال إثارة جوانبنا الإنسانية و المس من معتقداتنا و تقاليدنا و خصوصيتنا اتخذ أشكالا خفية لا تظهر للجميع و لا يفهمها عامة الناس. حيث ترسخ و تتجذر فينا دون وعي منا و بالتالي لا نتمكن من إيقافها و الحد منها.
ونظرا لقدرة الأنظمة الرمزية على التعبئة و جمع الناس حول نظام رمزي معين كاللغة و الدين يصبح العنف المادي هو النتيجة المباشرة للعنف الرمزي المستبطن، فعند أول صدام بين يهودي و مسلم يسترجع المسلم مشاهد القتل والدمار و الحرب في فلسطين التي بقيت مخزنة في لاوعيه و يعبر المسلم عن عداءه و حقده على ذلك اليهودي باستخدام العنف المادي الذي يتمظهر في الإرهاب و الحروب بدافع الانتقام. و بالتالي يتأكد فشل الأنظمة الرمزية في تحقيق غايتها الأساسية وهي تحقيق التواصل و الانسجام و نشر قيم الأخوة و التفاهم بين الشعوب و على عكس ذلك تربي الوسائط الرمزية الفرد منذ الصغر من خلال الألعاب الالكترونية و الأفلام مثلا على العنف. فتنمو بذلك الكراهية والحقد في ذهن الفرد و تكمن منتظرةفرصة لتظهر للغير فتبرز من خلالها سوء الوضع الذي يعيشه العالم في ظل أزمة التواصل و هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول ما إذا كان العنف المادي هو نتيجة مباشرة للعنف الرمزي و بالتالي يعتبر أقصى مظاهر العنف أم أن العنف الرمزي ينطلق من واقعنا المشبع بالعنف المادي ؟

ولكن المسألة الأهم و الأكثر إلحاحا في عالمنا المعاصر ليست مسألة المصدر أو النتيجة بل هي مشكلة فشل الأنظمة الرمزية في لعب دورها المطلوب و ما ينجر عنها من أشكال للعنف.
فالعنف المادي و العنف الرمزي يشكلان خطرا جسيما على المجتمعات و الشعوب و بالتالي يشكلان عائقا أمام التطور البشري الذي يرتكز على التواصل و الحوار و النقاش. و هذا العائق يتسبب في خلق أزمة تواصل عالمية عجزت فيها وسائل التواصل رغم تعدد و سائل الاتصال عن جمع البشرية حول قيم موحدة أساسها الأخوة و التسامح و السلام.
و في ظل هذه الظروف وجب على الأفراد أن يتبصروا و يعملوا عقولهم في ما يدور حولهم حتى لا يقعوا في فخ الأنظمةالرمزية كما يجب أن يكتسب الإنسان، ذلك الحيوان الرامز، بعدا نقديا فلا ينخدع ب"براءة الوسائط الرمزية" و لا يصبح فريسة سهلة في يد أصحاب السلطة و القرارات الذين يرغبون في تسيير العالم وفق رغباتهم و مخططاتهم تحت شعار "العولمة" التي ما فتئت تدعم الاغتراب و التبعية و الخضوع.
كما يجب تدعيم قيم التسامح و نبذ العنف و التطرف انطلاقا من العائلة و من البرامج التعليمية حتى يتحصن الفرد من خطرالعنف.
إن العالم اليوم يشهد أزمة حقيقية لا يمكن إنكارها و قد أدت هذه الأزمة إلى تدهور الأوضاع لأن كلا من العنف المادي المباشر و العنف الرمزي يشكلان خطرا حقيقيا على الشعوب وهو ما يجب اتخاذ إجراءات تجاهه. و هذا الخطر يشكل دعامة من دعائم أزمة التواصل التي يجب تجاوزها للدفع بالبشرية إلى التطور.
و لكن رغم وجاهة السؤال المطروح للنقاش فان الإجابة عنه تخلق مشكلا أكبر و هو إمكانية تجاوز هذا العنف سواء وقع اعتباره سببا أم نتيجة . و هل أن الأنظمة الرمزية في حد ذاتها هي سبب أزمة التواصل؟ أم أننا نعيب عليها والعيب فينا، نحن الذين لم نعرف كيف نوظفها و لم نحسن استغلالها؟


هل يعني إقرار تاريخية الإنسان أنّه قد صار محكوما بمسار حتميّ مستقل عن وعي البشر و أفعالهم ؟

  الموضوع: هل يعني إقرار تاريخية الإنسان أنّه قد صار محكوما بمسار حتميّ مستقل عن وعي البشر و أفعالهم ؟
  العمل التحضيري:
v     تحديد سياقيّ لدلالة ألفاظ الموضوع:
         تاريخية الإنسان: تقيّد هذه العبارة نفي القول بوجود طبيعة إنسانية تحدّد بشكل ثابت ومتماثل الخصائص المميّزة للنّاس دون اعتبار لدور في تشكيل تلك الخصائص على نحو لا يفتأ يتغيّر عبر الزمن. و يعني ذلك أنّكل ما هو إنساني يتشكل حسب تشريطات اجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر و من زمن إلى لآخر ممّا يجعل منتصفا بالتّنوّع والحوّل دون توقّف. محكوما: لا يملك الإنسان بوعيه القدرة على تحديد واقعه الاجتماعي طبقا لمقاصد يختارها بنفسه، بل هو نتاج ظروف وعوامل موضوعية تتحكم في وعيه وممارسته وترسم ما سيكون عليه واقعه بمعزل عن إرادته. مسار حتمي: المسار هو الاتجاه الذي ستسلكه تطورات الواقع وما يفرضه ذلك من تغيرات دون أن يملك الأفراد القدرة على تحديده أو تغييره أو منعه مما يعني أنه ضروري تفرضه القوانين المادية التي تحكم حركة التاريخ فلا يبقى للإنسان سوى معرفته أو الخضوع له. مستقل عن وعي البشر وأفعالهم: إن العوامل التي تحتم اتجاه سير التاريخ منفصلة عما يكونه الناس من تصورات واعية وما يختارونه من مواقف وأفعال فلا تتأثر بها لأنها هي التي تحددها وتؤثر فيها.
التحرير:
 لا يصمد مفهوم الماهية كثيرا في مقاربة الإنسان عند معاينة ما يقترن به وجوده من تنوع وتغير. فعند الانطلاق من إحداثية المكان يتجلى التنوع الهائل القائم بين المجتمعات إن كان ذلك على مستوى اللغات أو العادات أو الأعراف أو المعتقدات والتصورات أو المؤسسات. وعند التحول عند إلى إحداثية الزمان يتجلى التغير الدائم الذي يسم كل ما هو إنساني من خلال التحول العميق الذي يطرأ على القيم وأنظمة الحكم والمعارف والإنتاج والغذاء واللباس واللهو... وفي ذلك تأكيد واضح أن الإنسان ليست له طبيعة بل هو تاريخ يجعل كل ما يميزه نتيجة تشرط اجتماعي يعبر عن خصوصية مجتمع وعصر. ولكن هل في الإقرار بتاريخية الإنسان ما يعني أنه قد صار محكوما بمسار حتمي يتحدد انطلاقا من عوامل موضوعية مستقلة عن وعيه وإرادته؟ أم أن في ذلك تعسفا يعمم نظام الطبيعة على الإنسان يلغي إمكانية التاريخ ذاته، إذ هل يبقى من معنى للتاريخ بما يحمله من تنوع واختلاف من دون تفاعل خلاّق بينه وبين الإنسان ينفتح به عل ممكنات جديدة؟
   لقد اكتشف الإنسان التاريخ لما توقف عن فهم ذاته ميتافيزيقيا كماهية تتعالى على اختلافات المكان وتحولات الزمان. عندئذ تبلورت تاريخية الإنسان باعتباره الكائن الذي لا يتحدد قبليا طبقا لطبيعة ترسم مسبقا ما سيكون عليه وجوده، بل انطلاقا من خصوصية المجتمع الذي ينتمي إليه وسياق العصر الذي ظهر فيه. إن هذا التحول هو ما عبر عنه الوجوديون منذ كياركيغارد في القرن التاسع عشر بقوله:«إن الوجود يسبق الماهية.» غير أن هذه العلاقات بالتاريخ لا ينبغي فهمها كما بين ذلك ماركس مثاليا بالنزول من سماء الوعي إلى أرض الواقع والإقرار بأن التاريخ ليس سوى نتاج لوعي الناس وما يبلورونه من تصورات وأهداف وممارسات. عندئذ تقود أفكار السياسيون والفلاسفة والمصلحين حركة المجتمع التي تغير التاريخ. فالتاريخية تعني أن وجود الإنسان وعيا وممارسة قد صار يتشكل انطلاقا من واقع اجتماعي يتحدد ويتغير حتميا طبقا لعوامل مادية مستقلة عن إرادته تحيل على درجة التطور الاقتصادي وما يفرزه ذلك من تناقض طبقي وصراع مصالح. فإنسان الحداثة لم يتغير وعيه بذاته وذوقه الجمالي ومنزلته السياسية انطلاقا من عبقرية ديكارت و رفائيل وميكال أنجلو وروسو ومنتسكيو بل انطلاقا من تحول اقتصادي وطبقي انتقل بالمجتمعات الغربية من إقطاعي يسيطر عليه النبلاء إلى اقتصاد رأسمالي يسيطر عليه البرجوازيون. وإن كان الأفراد غير الواعين بذلك فمرده الإيديولوجية السائدة التي تخفي تأثير المصالح كمحرك للتاريخ تحت قناع كونية الأفكار وحرية الإنسان. وبهذا تم طرد الإنسان من مركز التاريخ ليتوقف على الاعتقاد الزائف في أنه صانع له و يعترف أن التاريخ مسار حتمي يصنعه. لذا كتب ماركس:«ليس وعي الأفراد هو الذي يحدد وجودهم بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.»
    إن هذا الفهم المادي للتاريخ وان كان قد حرر الإنسان من وهم مركزيته التي جعلته يعتقد أنه من يصنع تاريخه بحرية فإنه لا يخلو من مبالغة عندما يجعل من التاريخ مسارا حتميا قابلا للفهم من دون الإنسان. عندئذ ألا يؤدي فهم تاريخية الإنسان على هذا النحو إلى نفي تام للحرية ليكون الإنسان مجرد نتاج سلبي للتاريخ بلا قدرة على التأثير في مساره؟
     إن طرح السؤال لا يعني تخليا عن التاريخ من أجل العودة إلى مفهوم الطبيعة الإنسانية بل نقدا لهذا التصور للتاريخ كمسار حتمي لا مكان فيه للحرية. فالإنسان لا يكون إلا في سياق وضع اجتماعي تاريخي لا يختاره: إنه طبقته وجنسه وقوميته وطائفته وسكنه ودراسته وما يرتبط بذلك من علاقات متشابكة بالغير.غير أنّ هويّة الفرد و ما تتميّز به من خصوصيات ليست نتاجا آليا لتلك العوامل بل هي ما ينبثق عن تفاعله مع ذلك الوضع ليختار ممكنا من بين الممكنات التي يتيحها له فيبلور مشروعا يوجه حياته باتجاه المستقبل. وما ينطبق على الأفراد لا يستثني الشعوب فتاريخها ليس نتاجا آليا لوضعها الاقتصادي والطبقي بل لتفاعلها الواعي مع ذلك الوضع بلورة لمشروع يتميز بالجدة وقابل للتحقق موضوعيا في الواقع هو من ابتكار المفكرين والفلاسفة والمصلحين. فالتاريخ مسار منفتح على ممكنات لا تتبلور وتتحقق إلا بأفكار الناس وإرادتهم تعبيرا عن دور الحرية في توجيهه. فلا حتمية تنفي حرية الإنسان لتجعله نتاجا سلبيا لتاريخ أصمّ ولا حرية تنفي الحتمية لتجعل التاريخ نتاجا لاختيارات الإنسان الاعتباطية. إنها جدلية الذاتي والموضوعي كما عبر عنها سارتر في"نقد العقل الجدلي" لما كتب« يتميز الإنسان قبل كل شيء بمجاوزته لوضع ما وبما يتوصل إلى فعله انطلاقا ممّا فعله الغير به... إن ذلك هو ما نسميه المشروع.»
وكخلاصة لما سبق يمكن القول أن الإنسان هو كائن التاريخ ممّا يعني أن كل ما هو إنساني فيه ليس تعبيرا عن طبيعة قبلية تحدده بل هو ما يتشكل اجتماعيا في سياق مجتمع معين وعصر محدد. غير أن ذلك لا يعني نفيا لحرية الإنسان ليكون مجرد نتاج سلبي لمسار حتمي يخضع له بل إقرارا بقدرة الإنسان الذي يتأثر بواقع اجتماعي لم يختره أن يؤثر في ذلك الواقع انطلاقا من مشروع يختاره. فما يميز الإنسان هي قدرته على أن يحول الحتمية إلى حرية تفتح أفق الممكن.


الموضوع الأول: هل في اكتشاف زيف الوعي ما يعني أن الإنسان لا يمكنه أن يكون إلاّ غريبا عن ذاته؟


الموضوع الأول: هل في اكتشاف زيف الوعي ما يعني أن الإنسان لا يمكنه أن يكون إلاّ غريبا عن ذاته؟
العمل التحضيري:
v     النظر في صيغة السؤال:
هل في... ما يعني أنّ...؟ يثير السؤال إشكالا يتمثل فيما يمكن أن يترتب عن معطى هو: اكتشاف زيف الوعي من نتائج: أن لا يكون الإنسان إلاّ غريبا عن ذاته، أم أن تلك الغربة عن الذات نسبية بحيث تمثل المعرفة بزيف الوعي تحرير للإنسان كي يتمكن من معرفة ذاته بأكثر وضوح. هذا فضلا عمّا يثيره المعطى بدوره من إشكال: فهل الوعي زائف بإطلاق ممّا يجعله مرادفا للوهم على الدوام؟
v     العمل ألمفهومي:  تحليل لما هو معلن في صيغة السؤال/ تحديد سياقي لدلالة الألفاظ الموضوع:
ü      اكتشاف: معرفة الطابع الزائف للوعي باعتباره حقيقة منع الوهم العثور عليها.
ü      زيف الوعي: عجز الوعي بما يقدمه من تصورات وتبريرات عن تفسير العوامل الحقيقية المحددة للواقع الإنساني النفسي أو الاجتماعي وما يرتبط بذلك من دلالات تتيح إمكانية فهمها موضوعيا فيكون بذلك خادعا مضللا.
ü      ما يعني: ما يقدم معنى معقولا يمكن من فهم وضع الإنسان في ظل اكتشاف وعيه الزائف.
ü      الإنسان: محور الإشكال من حيث أن الوعي هو الصفة التي أعتقد طويلا أنها تشكل ماهيته وتمنحه القدرة على معرفة ذاته والتحكم في أفعاله يكتشف على اثر فلاسفة الظنة أن ذلك الوعي زائف بحيث يتم التساؤل عن الوضع الذي يمكن أن يترتب عن هذا الاكتشاف في شأنه: هل سيكون غريبا عن ذاته أم سيمكنه ذلك من معرفة أوضح تقربه من ذاته؟
ü      لا يمكنه أن يكون إلاّ: حصر يتعلق بالوضع الذي سيؤول إليه الإنسان في ظل اكتشاف زيف الوعي: غربة عن الذات/ أم معرفة أفضل بالذات؟
ü      غريبا عن ذاته: الانفصال عن الذات بحيث لا يتحدد الوجود الإنساني نفسيا: أفكار، أحاسيس، أفعال... أو اجتماعيا: مؤسسات، تصورات، قيم... انطلاقا من وعي الفرد أي مقاصده الإرادية بل انطلاقا من قوى مجهولة وخفية تحيل على غرائز الجسد أو مكبوتات اللاوعي أو صراع الطبقات.
v     المسلمات الضمنية:
ü      اعتبار زيف الوعي اكتشافا لا يقبل الجدال فيكون بذلك معطى مثبتا خارج إمكانية الشك.
ü      ضبابية في الإقرار بزيف الوعي إذ لا يتم الإعلان إن كان ذلك الزيف نسبيا أم مطلقا.
التحــريـــر
           قد تهتزّ الثقة في الوعي بفعل عديد الحالات النفسية والأفكار والتصورات والممارسات التي يدرك المرء مدى عجزه عن فهمها والتحكم فيها. فكثيرا ما يسيطر على المرء إحساس بالغيرة أو بالكراهية أو بالنشوة أو بالحب دون تفسير واضح لذلك، وكثيرا ما تغزو الفرد أبيات شعر أو حلول لمشكلات رياضية أو أنغام موسيقية دون أن يكون هو مبدعها، وكثيرا ما يكرر المرء مثلا أو حكايات أو يتزين بوشم أو بلباس دون أن يدرك مدلوله الحقيقي. عندئذ تترك تلك الثقة مكانها للشك في مصداقية الوعي باتجاه إثبات زيفه. ولكن هل في هذا الإثبات ما يشكل اكتشافا لحقيقة الوعي باعتباره زيفا؟ ولو صح مثل هذا الاكتشاف ألا يعني أن الإنسان لم يعد من الممكن بالنسبة إليه إلا أن يكون غريبا عن ذاته؟ أم أن ذلك سيكون إعلانا عن تحرير الإنسان من الثقة في الوعي ليبدأ عندئذ الاقتراب من ذاته والإقامة فيها؟
           لقد مثل الوعي تلك الصفة التي تجعل الإنسان قادرا على الانعكاف المباشر على ذاته ليعرف حالاته وأفعاله ويكون سيدا على أفكاره وقراراته فتم اعتباره إلى حدود القرن التاسع عشر مرادفا لليقين. غير أنه سرعان ما أصبح هدفا للتظنن الفلسفي عندما كشف نقد نيتشة أن جل ما هو إنساني يمكن أن يحدث دون الحاجة إلى حضوره. فالأفكار تتشكل والذكريات تتوارد والأحاسيس تتحدّد والقرارات تتضح انطلاقا من غرائز الجسد التي تعمل بحكمة خفية غير واعية تثبت أن العقل العظيم في الإنسان يكمن في الجسد وهذا التظنن توسع وتعمق عندما كشف فرويد أن الواقع النفسي يتحدد انطلاقا من آخر هو اللاوعي كمجال للمكبوت وللماضي الطفولي والآليات التي تفلت من سيادة الإرادة ومنطق العقل، وكشف ماركس أن الواقع الاجتماعي يتحدد من درجة تطور القوى الاقتصادية ومن التناقضات الطبقية التي يفرزها. عندئذ يلتقي ثلاثتهم حول تكذيب الثقة في الوعي ليكشف الإنسان مدى اغترابه عن ذاته. فالوعي قد ضلله وجعله يعتقد أنه سيد أفكاره ومواقفه والحال أنه نتاج لآخر خفي يجهله. فهو قد أضحى منفصلا عن نفسه لا يفهم ما هو الأقرب إلى ذاته ولا يسيطر عليه ففي الوقت الذي يعلن فيه أنه هو من يفكر وأنه واع بدلالات حالاته وأنه يوجه واقعه الاجتماعي طبقا لمقاصده يكون في الحقيقة الهو يفكر، وتكون دلالة حالاته زائفة على هامش حقيقتها غير الواعية المتوارية وتكون تلك المقاصد نتاجا لواقع اجتماعي مستقل عن إرادته. لذلك التقت أفكار ثلاثتهم للإقرار بغربة الإنسان عن ذاته بسبب أقنعة الوعي الزائفة فكتب نيتشة:" إن فكرة ما تخامرني متى أرادت هي ذلك وليس متى أردت أنا ذلك" وكتب فرويد:"لم يعد الأنا سيدا حتى في بيته." وكتب ماركس:"ليس وعي الأفراد هو الذي يحدد وجودهم بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم."
        لا جدال في أن نقد الوعي قد كشف زيفه لكن ما يبقى موضع جدال هو مدى هذا الزيف ونتيجته، فإلى أي حدّ يمكن الإقرار بزيف الوعي؟ وإلى أي حدّ يجعل زيف الوعي الإنسان غريبا عن ذاته؟
        إن اكتشاف زيف الوعي لا ينبغي أن يقود إلى التغافل عن قدرته على تجاوز الزيف وتحقيق المعرفة. إن هذا هو ما نبّه إليه ريكور بتمييزه بين الوعي المباشر والوعي التفكيري. فإذا كان الوعي المباشر ينخدع نفسيا واجتماعيا فينساق نحو وهم التفسيرات المباشرة والإيديولوجيات السائدة، فإن له القدرة على النقد وتجاوز الزيف. وهو ما يتجلى من خلال التحليل النفسي والمادية التاريخية ذاتهما إذ ببلورة منهج يمكن من معرفة الحياة النفسية وحركة التاريخ فإنهما يقدمان أدوات وعي أوضح. عندئذ يتضح أن غربة الإنسان عن ذاته لا يمكن أن تكون مطلقة بل هي على الدوام نسبية، فما يخفيه الوعي الزائف ليجعل الإنسان غريبا عن ذاته يكشفه المنهج (التحليل النفسي والمادية الجدلية) ويزيح الستار عنه فيصير إلى وعي أوضح بذاته يحدّ من تلك الغربة دون إنهائها تماما. فالوعي إذن ليس ثانويا يحوّل الإنسان إلى كائن سلبي تنتجه الظروف المستقلة عن إرادته بل هو في علاقة جدلية باللاوعي داخله وبالتاريخ خارجه تعبيرا عن قدرته على أن يحول ما صنعه الآخر به إلى منطلق لصنع ذاته وواقعه.
          ويبرر كل ما سبق القول إن القول إن اكتشاف زيف الوعي هو في أن اكتشاف لقدرته على تجاوز الزيف نحو المعرفة. ولئن كان ذلك يكشف للإنسان مدى غربته عن ذاته فهو يحرره ليعمل على أن يعود إلى ذاته ويعيها بأكثر وضوح كمهمة يتعين عليه الاضطلاع بها.


الموضوع : هل يستوفي العقل إنية الإنسان ؟

الموضوع : هل يستوفي العقل إنية الإنسان ؟ 

/1 - 
 مرحلة الفهم أو الكشف :
*
 تستوفي: إستوفى ، إستكمل ،إستنفذ و فيهاالوفاء نقول وفّى بدينه ،و استوفى حقه .
 -
العقــــل :هو القيد أو الحد / ملكة التفكير /خاصية إنسانية /البعد الإلهي في الإنسان.
إنية: /تحديد / دلالة /حقيقة 
 -
الإنســان:حيوان ناطق / كائن عاقل / أرقى الكائنات و أفضلها ...
 /2- 
الكشف عن المفاهيم في ضوئها :
-
لو تأملنا دلاليا في هذه المفاهيم و حاولنا حصر معانيها بشكل مدقق كيف يمكن أن نحددها ؟ 
-
العقل : لغة عقل الدابة شدّ وثاقها ،إنه القيد أو الرباط 
إصطلاحا العقل علامة مميزة للإنسانية ،إنه ملكة التمييز بين الحقيقة و الخطأ ، الخير و الشر ...
هذا إضافة إلى أنه يعني التدبرّ و التفكرّ و إسناد الأحكام.
نقيضه :العاطفة و الجنون 
ـ إنيةالإنسان :أي ما يجعل من الإنسان هو ..هو أي إنسانا / حقيقته التي بها يتميز و يعرف /ما من خلاله يتحدد الإنسان كإنسان /ماهية شيئ ما هو حده النهائي ،حقيقته المطلقة.
الموضوع إذن يبحث في مدى صحة الإعتبار القائل بأن العقل هو ماهية الإنسان(هل يختزل العقل كل ماهية الإنسان؟).
/3-
 ما طبيعة العلاقة بين المفاهيم ؟(و هنا يمكن أن نفصل القول في العلاقات المنطقية ) 
-
 ما طبيعة العلاقة بين المفاهيم ؟ 
إن العلاقة هي علاقة تطابق إذ أن الذي يسأل عنه الموضوع هو:هل تطابق خاصية العقل إنية الإنسان؟ 
يؤكد ذلك كلمة تستوفي) والتطابق يعني التساوي :هل تساوي إنية الإنسان العقل ؟ 
 *
إنشغال يتعلق بفهم السؤال المطروح و تحديد المطلوب 
 -
كيف وردت صيغة الموضوع ؟ 
 -
ضمن أية خانة يمكن تنزيله ؟ 
 -
ماذا يختبر الموضوع ؟ ما المطلوب إذن ؟ 
تحديد الصيغ المختلفة للمواضيع :
 *
مواضيع تتعلق بتحديد مفهوم .
مواضيع تتعلق ببيان محدودية اطروحة ما .
*
مواضيع تتعلق ببيان امكانية أطروحة من حيث شروط وجاهتها و من حيث حدودها.
*
مواضيع تتعلق بتحليل مفارقة قصد تجاوز تناقض ظاهري .
*
مواضيع تتعلق بإبراز شروط مشروعية قول ما .
تنزيل الموضوع ضمن إحدى هذه الخانات :
هذا الموضوع يتنزل ضمن الخانة الثالثة .ما الذي يشرع تنزيله ضمنها ؟ 
أولا : هو يتعلق بأطروحة فلسفية ترى في العقل إنية الإنسان .
ثانيا : صيغة التساؤل "هل ": تبحث في إختبار هذه الأطروحة أي أن تبين امكان وجاهتها و حدودها .
إستخلاص المطلوب :
الموضوع إذن يتعلق بإختبار موقف فلسفي و حتى عامي (مع عدم المماهاة بينهما لأن الموقف الفلسفي موقف مؤسس يعتبر العقل إنية الإنسان أي أن إنسانية الإنسان تستنفذ من خلال العقل .
 
/2 - مرحلة التخطيط لــ:
جوهر المقالة 
*إنشغال يتعلق بالناحية الإشكالية تفكيكا و بناء 
الإجراءات العملية :
 -
كيف يكون هذا السؤال مشكلا ؟ما الذي يثيره فينا ؟ لماذا يجب علينا أن نفكر في هذا 
السؤال ؟ ما مقصد البحث فيه ؟ عمّ يراهن الموضوع ؟ 
-
 ما هي الضمنيات التي يستند عليها نص الموضوع ؟ أية تبعات يمكن إستخلاصها إذن ؟ 
إستخلاص المشكل الفلسفي من السؤال المطروح :
إن الموضوع يتعلق حقيقة الإنسان فهل ما به يكون الإنسان إنسانا هو خاصية العقل فحسب ؟ 
من الواضح أن الموضوع يختبر مسلّمة التصنيف التفاضلي للكائنات التي تسعى إلى إثبات التميز الإنساني و ربما الشرف الأنطولوجي على بقية الكائنات الأخرى .
إن صح أن العقل هو ما يستوفي إنية الإنسان هل يعني غيابه غياب الإنسان ؟ هل يمكن أن نعتبر من هذا المنطلق أن المريض العقلي (طالما أن العقل يغيبه ) لا ينتمي الى دائرة الإنسانية ؟ ثم هل يمكن أن نعدم جميع خصائص الإنسان الأخرى و نصنفها في هامش "الإنية / المركز" الذي هو هنا العقل ؟ ثم كيف يثبت العقل إنية في إطار التحليل النفسي الذي بين أن العقل أو الوعي ليس إلا خاصية غيابها أكثر بكثير من حضورها ؟ 
يبدو إذن أن للمسألة تفرعات خطيرة إن على مستوى الوجود أو على مستوى المعرفة إذ الثابت أن المعرفة تبدأمع الحواس و ربما تنتهي فيها أليست صورة العالم كلها مشروطة بفعالية الحواس ؟ .
 -
صياغة المشكل صياغة سليمة ببناء عناصره الإشكالية.
-
بيان الوجه الإحراجي فيه .
/1-
 إقتراح الإجابة التي يمكن بناؤها حول هذا الموضوع.
/2- إستخلاص اللحظات المنطقية التي يجب على الإجابة أن تتبعها .
 /3-
صياغة هذه اللحظات تساؤليا .
/4-
 البحث في الخيط الناظم بينها .
 /1-إقتراح الإجابة التي يمكن إثباتها للسؤال المطروح :
إن العقل لا يمكن أن يستوفي إنية الإنسان . لماذا ؟ 
لأن إنية الإنسان أشمل من العقل أي أنه لا يمكن أن نتحدث عن تطابق بين العقل و بين إنية الإنسان .
كيف يكون الإنسان أشمل من العقل ؟ 
لأن له خصائص أخرى إلى جانب خصائص العقل كالجسد مثلا .
 /2-
إستخلاص اللحظات المنطقية التي يجب عليها أن تتّبعها هذه الإجابة :
 -
خاصية العقل تستوفي إنية الإنسان .
 -
محدودية العقل في إستيفاء إنية الإنسان.
-
التساؤل عن إنية الإنسان في ضوء محدودية العقل .
 /3-
صياغة اللحظات تساؤليا :
أ) كيف يستوفي العقل إنيةالإنسان ؟ 
ب) هل يعني ذلك مماهاة تامة بين العقل و الإنسان ؟ أليس الإنسان أشمل من العقل ؟ 
ج) أي تعريف للإنسان في ضوء محدودية العقل عن إستيفاء إنيته ؟ 
كيف يستوفي العقل إنية الإنسان ؟ 
*يستوفي العقل إنية الإنسان نظرا لأن :
 -
ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات الأخرى خاصية العقل أساسا إذ أن تعريف الإنسان على أساس أنه حيوان عاقل أو ناطق مثلا يثبت أن الإنسانينتمي إلى مملكة الحيوان على أن الفارق الجوهري الذي به ينفصل عنها هو العقل .  (جنس  فصل نوعي) 
 -
العقل هو الذي يوطد شرف الإنسان أنطولوجيا إذ هو الذي من خلاله يشارف الإنسان مرتبة الألوهية .
 -
العقل هو الذي من خلاله يمارس الإنسان فعالياته المعرفية تفكيرا و فهما و تصنيفا ...
* محدودية العقل أمام إستيفاء إنية الإنسان 
إن الحدود التي يمكن رصدها أمام إستيفاء العقل إنية الإنسان هي التالية :
 -
إن العقل أحد خصائص الإنسان و ليس الخاصية الوحيدة التي يمكن أن يعرف من خلالها.
-
 غياب العقل لا يعني غياب إنسانية الإنسان.
 -
الإنسان لا يمكن أن يحصر ضمن بعد واحد هو العقل ، فالإنسان إنية متكثرة :
إن صح أن الإنسان ليس إنية منغلقة وإنما هو وحدة متكثرة.
 -البحث عن أنتربولوجيا بديلة تكشف عن كل أبعاد الإنسان و لاتحصرها ضمن بعد واحد :
 *
الإنسان كائن الرغبة (سبينوزا (*الإنسان كائن تاريخي ، إجتماعي ،ثقافي ، سياسي ....
الإستنتاج الأول : إن كل هذه الخصائص هي التي تجعل من الإنسان إنسانا ،إذ أن إنية الإنسان أي ما به 
يكون هو هو لا تعدو أن تكون من هذه الزاوية إلا العقل ذاته لذلك فإنه يعتبر كمال الإنسان و لذلك تستوفي هذه الخاصية كل ماهيته .
فهل يعني ذلك مماهاة تامة بين الإنسان و العقل أليست ماهية الإنسان أشمل من العقل ؟ 
الإستنتاج الثاني : يتضح إذن من خلال كل ماتقدم أن العقل لا يعدو أن يكون إلا صفة من صفات أخرى متكثرة تتناسج كلها إنية الإنسان فهل من تعريف للإنسان- في ضوء محدودية العقل - يستوفي إنيته ؟
البراهين: مثال أول
برهان بالمماثلة : مثلما أن الغريزة هي التي يعرف من خلالها الحيوان فإن العقل هو الذي يعرف من خلاله الإنسان و يتميز به عن بقية الكائنات الأخرى .ومثلما تتحدد الأفعال الحيوانية إنطلاقا من الغريزة فإن الفعل الإنساني يتحدد من الوعي و من التفكير بحيث يصبح العقل من هذه الزاوية هوالخاصية الجوهرية التي تحدد إنية الإنسان .
برهان إستنباطي : لو تتبعنا الإنسان في مختلف تجلياته العملية و السلوكية لأدركنا أنها تصدر عن وعي و حرية أي أن الفعل الإنساني يتميز عن الفعل الحيواني بخاصية العقل أساسا الأمر الذي يسوّغ لنا اعتبار أن مابه يكون الإنسان إنسانا هو العقل إذ ليست الغريزة مجال تميز لأنها ما يشتركفيه مع الحيوان .
برهان بالخلف : لو كان الإنسان يتحدد في سلوكه و في فعله بضرورة لا يستطيع بحال من الأحوال أن يحيد عنها لاعتبرنا أن الإنسان حينها شبيهالحيوان إن لم يكن سليله ،ولكن لما كان الإنسان يعي فعله قبل أن يقوم به بل ويعي فعله أثناء القيام به ،فإن الثابت حينها تميزه الجوهري عن الحيوان بخاصية العقل وحدها ،إنها ماتشكل إنسانية الإنسان بل إنها ما تستوفي حقيقته .
مثال ثاني :
برهان بالمماثلة :مثلما أن الإنسان كائن العقل فإنه أيضا كائن الرغبة ومثلما أنه يصدر في سلوكه عن وعي وحرية فإن طابع الضرورة فيه متخف حتى و إن وقع حجبه وراء ستار العقل و التفكير .
برهان بالخلف :لو كان الإنسان في فعله يصدر عن وعي وعن تفكير لكان كل سلوكه منزها عن الخطيئة بل و لكان كل تفكيره منزها عن الخطأ لكنالخطأ و الخطيئة من الخصائص التي لا تغيب عن الفعل و عن التفكير الإنساني لذلك تبدو خاصية العقل عاجزة عن إستيفاء ماهية الإنسان كلها (تفكيرا و سلوكا) .
برهان ثالث :
برهان بالمماثلة : مثلما أن الإقرار بلامركزية الأرض إقرار مشكل في الفيزياء الحديثة ،كذلك فإن الإقرار بإفتقاد العقل لخاصيته المميزة التي تجعلهالفارق الأنطولوجي بين الإنسان و الحيوان إضافة للإعتبار التقليدي الذي يجعله كل ماهية الإنسان ،إقرار يدفع إلى إيجاد تعريف بإمكانه أن يستوفي ماهية الإنسان .
ما هي المرجعيات التي يمكن توظيفها في حدود العنصر الأول /الثاني ...؟ 
-
 يمكن توظيف المرجعية الفلسفية الديكارتية لأن الديكارتية بينت أن التفكير يحدد إنية الإنسان.
ـ يمكن توظيف المرجعية الفينومينولوجية ، لأن ميرلوبنتي كشف عن انفتاح الوعي على الجسد الذي تحول إلى وسيط بين الإنسان والعالم فأنا أحضر في العالم بواسطتي جسدي وبذلك تحول الجسد إلى محدد لكل إنية الإنسان .
ـ يمكن أيضا توظيف التحليل النفسي إذ أبان عن وجود منطقة خفية هي منطقة اللاوعي هي التي تتحكم في السلوك     و في الفعل .
يمكن توظيف ماركس في هذا المستوى من خلال تأكيده على البعد التاريخي والإجتماعي للإنسان مما يجعل إنية الإنسان إنية.متزمنة. 
 مقدمة المقالة: 
تمهيد : لقد مثل التفكير في الإنسان الرهان المركزي داخل الخطاب الفلسفي، وذلك بإعتبار أن كل الأسئلة الفلسفية ذات الطابع الأخلاقي والميتافيزيقي ترتدّ إلى سؤال أنثروبولوجي مركزي حول ما الإنسان ، فلقد اعتبر التصور الميتافيزيقي العقلاني أن الإنسان إنية واعية، لكن فلسفات الظنة والإختلاف المعاصرة كشفت أن الأنا الواعية مجرد وهم فإنفتحت الإنية على أفق الغيرية وهو ما يبرّر وجاهة التفكير الفلسفي في حقيقة الإنسان بما هية إنية عاقلة. 
من أجل تأمين المرور بعتبة هذا الإشكال يمكن التسلح ببعض التساؤلات التي قد يكون من شأنها أن تيسّر تنظيم الخطاب في هذه المسألة: فهلتستنفذ حقيقة الإنسان من خلال العقل أم أنها لا تعدو أن تكون إلا بعدا من أبعاده المتكثرة ؟ 
و هل لا إمكان للحديث عن إنية الإنسان إذا ما ثبتت محدودية العقل في إستيفائها ؟    

خاتمة المقالة :
يتضح إذن أن الإنسان لا يمكن أن يكون إنية مطلقة ، بحيث يبدو من اللامشروع أن نجعل من هذه الإنية أو ذاك إذ لا يمكن للجزئي    (العقل ) أن يشمل الكلي (الإنسان) .
على أن كل ذلك لا يجب أن يغفل ثراء الإنية الإنسانية و إنفتاحها على الغيرية. هذا ما يجعل مشكل الإنسان اليوم أكثر راهنية: كيف نفسرّ اليوم المحاولات التي تزعم إستنساخ الإنية الإنسانية إن على المستوى البيولوجي أو على المستوى النفسي ؟ ألايعني ذلك أن إنية الإنسان هي ما يتشكل في المخابر ؟ و من ثمة أية دلالة في مثل هذا الإطار للمقولات التي تؤكد على الإختلاف و الحرية و الإختيار ؟. /